الشهيد القاضي محمد
________________________________________
(1901 ـ1947 م )
لم يكن اسم القاضي محمد رئيس جمهورية كردستان ( التي سميت جزافاً جمهورية مهاباد ) اسماً لا يلفت النظر أولا يثير الاهتمام ، ولغرض التقليل من أهمية التجربة الوطنية الكردية التي تم إجهاضها بتعاون أطراف دولية عدة ، يشار الى الاسم المختصر لها المرتبط بمدينة مهاباد والحقيقة غير ذلك .
شيء من بدايات حياته :
هو محمد بن القاضي علي بن قاسم بن ميرزا أحمد ، ولد في مدينة مهاباد سنة 1901 م .كانت أمه من عشيرة فيض الله بك ،ذائعة الصيت في مملكة موكريان .
القاضي محمد من الشخصيات الكردية المثيرة للاهتمام حقاً ، فقد كان الرجل يتمتع بثقافة كبيرة ، فضلا عن شخصيته الساحرة التي تولد المحبة والتعاطف مع من يقابله ، ويتصف الرجل بعلميته وتبحره في أمور الشريعة والفقه الاسلامي والدين ، واتقانه اللغة العربية والتركية والفارسية والفرنسية والالمام باللغة الانكليزية والروسية ، زيادة علىلغته الأم الكردية .
و كان يتميز ببساطة شخصيته وتواضعه وشجاعته وايمانه العميق بحقوق شعبه في الحياة ، وضرورة النضال من أجل تحقيق هذه الحقوق المشروعة . وبالرغم من انحدار القاضي محمد من أسرة متمكنة ماديا وغنية في المنطقة ، وساهم ذلك في أن يجعله مثقفاً ومتعلماً من النوع المتميز بين أقرانه ، الا أن ذلك لم يدفعه ليكون مغروراً أو مبتعداً عن مهمات شعبه ونضاله من أجل تحقيق حلمه المشروع .
كان القاضي محمد يتميز بعلاقاته المتميزة بين أوساط الفقراء والمعدمين ، وبساطته في تلبية حاجاتهم ، ومساعدتهم في قضاء بعض أشغالهم ومصاعبهم وحل مشكلاتهم . وكان كثير الاهتمام بشؤون الفقراء والبسطاء من الناس . وكان حريصاً على الاستماع اليهم ،والرد على أسئلتهم الدينية والمتعلقة بالشريعة والقضاء وفي جميع مناحي الحياة العامة ، بالنظر لما يتمتع به من خصال المعرفة وشمول الثقافة ، التي اكتسبها في حياته . كما كان يدعو الى نشر التعليم والثقافة بين الكرد ، والتمسك بمواصلة الدراسة والتسلح بالعلم والمعرفة ،من أجل مواجهة الاضطهاد والظلم الذي كان يقع على هذا الشعب (وسنلاحظ هذا الجانب بوضوح في آخر وصية له الى شعبه )، فضلا عن تشخيص المعاملات المزرية والمآسي والمظالم التي تقع على الكرد بسبب قوميتهم الكردية ، وعدم تقبلهم التنكر لها ،أو تبديلها وفق رغبة السلطات الحاكمة ،التي كانت تمارس السياسات الشوفينية المقيتة ضدهم ، والتنكر لمقوماتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية .
وكان القاضي محمد خلال سنوات حياته متفهماً للواقع المرير الذي تعيشه الجماهير الكردية ، متلمساً معاناة الناس واحساسهم بالغبن والتغييب الذي يقع على كامل القضية الكردية .
كان الشهيد القاضي محمد غالباً ما يستذكر الانتفاضات الكردية التي حدثت ،ويتحدث عنها كثيراً بين أوساط الفقراء ، والتي تحدث تأثيرها وانعكاسها عليهم في تأجيج مشاعرهم الدينية والقومية المشروعة لتكون نبراساً يتذكر به الكرد تاريخهم المجيد .
وكان يؤكد دوماً على ضرورة تمتين الروابط بين الكرد ، وضرورة أن يضحي الكردي في سبيل دينه وحقوقه القومية المشروعة مهما عظمت التضحيات في ظل الظروف التي يعيشها الكرد في الدول التي تتقاسم وجودهم بعد تعمد اللعبة الدولية على تقسيمهم وتقطيع أوصالهم ، لغرض اضعاف قوتهم وتشتيت ارادتهم ووأد أحلامهم المشروعة .
وكان القاضي محمد يقلب صفحات التاريخ الكردي بدقة ويستل منها مايؤثر في نفوس الكرد . وتشير الكتابات التي وصلتنا عنه أنه كان مؤثّراً بشكل لايوصف في كل الطبقات الكردية المنتشرة في منطقة مهاباد ، وكان تأثيره واضحاً في قيام حركات سياسية متميزة وتجمعات ثورية وعشائرية ، وصدور مجلات كردية تنشر أفكارها وسياستها في المنطقة وتؤثر خارج منطقتها .
وبالرغم من سيطرة القيادات العشائرية على المجتمع الكردي،وابتعاد هذه القيادات عن الدعوة الى النضال والكفاح من أجل تطلعات ا لكرد المشروعة ، وابداء المقاومة من قبل الآغاوات والشيوخ ، بسبب عدم التفريط في وسائل استغلالهم للطبقات الفلاحية المعدمة ،وعدم تقبلهم ذهنياً مفاهيم ثورية كان يدعو اليها القاضي محمد تحت شتى الحجج والغايات الدينية والعشائرية والاجتماعية المختلفة ، فقد كان القاضي محمد وعلى الدوام يكرس كل وقته وجلّ اهتمامه في مصلحة الكرد والتطلع نحو مستقبلهم وحياتهم ، ليس في منطقة مهاباد فحسب ، بل في مجمل المناطق التي تعيش بها المجتمعات الكردية .
وانتشرت دعوة القاضي محمد بين الناس انتشاراً سريعاً مثل البرق ،وتوسعت القاعدة الشعبية لأعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني في المدينة لتحتوى أغلب شبابها وشيوخها وحتى نسائها ، وأمام حالة رد الفعل لما تقوم به السلطات القمعية الفارسية تجاه الكرد ، ومع وقوع حوادث سياسية وأمنية استفزت الجماهير الكردية لتنتفض برمتها على القوات الايرانية ، وتستطيع السيطرة على مجمل المناطق كاملة يوم 17 كانون الأول 1945 ، فسطرت قوات البيش مركة الكردية أروع الملاحم وقصص البطولة في التصدي والثبات حتى يمكن تسمية هذا اليوم بيوم (البيش مركة ) .
وتحركت القيادات السياسية الكردية بما يتناسب مع الوضع الراهن ، وسيطرت على الوضع، وبدأت تحركات سياسية وتقسيمات عسكرية بعد دراسة الظروف الاقليمية والدولية التي كانت صعبة ومتشابكة للغاية ، بالنظر لمخلفات الحرب العالمية الثانية والتقسيمات الدولية الجديدة ، وانقسام العالم الى معسكرات عدة ، وتعدد المصالح فيما بينها .
وبتاريخ 22/1/1946 تم اعلان قيام جمهورية كردستان ، التي تأسست ضمن الظروف الشائكة التي ورد ذكرها ، وأصبحت مدينة مهاباد عاصمة للجمهورية الفتية ، وأصبحت قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني قائداً لهذه الجمهورية .
وأمام العالم ووسط أكبر ساحة من ساحات العاصمة (ساحة جوار جرا ـ القناديل الأربعة) تم انتخاب القاضي محمد كأول رئيس للجمهورية الكردستانية ، وكان حاضراً هذه الاحتفالات المهيبة وفود من جميع أطراف منطقة كردستان .ولكن الجمهورية الفتية ذات الحكم الذاتي لم تعمر طويلا ، فقد تخلى الرفاق الحمر عن دعمهم لها ولقيادتها لما اقتضت مصالحهم النفطية ذلك ،فضلا عن الضغوطات الأمريكية والبريطانية على القيادة السوفيتية بضرورة انسحاب الجيش السوفيتي من شمالي ايران .
نهاية الجمهورية
تداخلت المساومات السياسية مع خيوط اللعبة الدولية ليتم تخلي جميع الدول وانسحاب الجيش الأحمر من المناطق القريبة ، وخلو الساحة للجيش الايراني الذي تفرغ للاجهاز على الجمهورية الناشئة ، ليطبق عليها بأنيابه ومخالبه ، وتقدمت جحافل الجيش الايراني الجرارة بقوة تقدر ب 120 ألف جندي مدججة بأنواع الأسلحة العسكرية المتطورة حينها لمواجهة شعب لم يكن يملك سوى ارادته وتصميمه على الكفاح .
وعلى مشارف الجمهورية كان يمكن للقاضي محمد أن ينسحب ويتوارى عن الأنظار ، وكان يمكن له أن يتخلى عن مبادئه وأفكاره لينزوي في داره يتابع مطالعاته والتنعم بالحياة مع أسرته، وكان من الممكن أن يساوم العدوان الايراني ، وكان وكان ، حتى ان المقربين منه والمحيطين به اقترحوا عليه النجاة بنفسه فأجابهم :"كيف لي أن أفرّ وأترك الشعب في هذه الظروف ليواجه مصيره وقد أقسمت أن أدافع عنه حتى آخر قطرة من دمي ؟ " لقدآثر البقاء لمواجهة القوة الايرانية ، مسجلاً بذلك ليس صفحة شجاعة ومشرقة في سجله الشخصي والعائلي ، انما سجل صفحة أخرى من صفحات البطولة والاصرار على الثبات والدفاع عن الحقوق التي يؤمن بأحقيتها ومشروعيتها.
وتم القبض على القاضي محمد مرفوع الرأس مبتسماً بمهابة واجلال واقتيد الى سجون الجيش الايراني ليتم تقديمه الى المحكمة العسكرية الاستثنائية ، وهو الرجل المدني الذي لم يخالف القوانين العسكرية ، الا أن شموله بحالة الطواريء والحرب جعله يتقدم الى هذه المحكمة بدفاع ليس عن نفسه انما عن قضية الشعب الكردي يفحم بها قضاة المحكمة ، مفنداً جميع الاتهامات الموجهة له .
نهايته
كان من الطبيعي أن يصدر الحكم بالموت على البطل الأسطوري والفقيه الزاهد والمتعبد القاضي محمد ، وقد تلقاه القاضي برباطة جأش وثقة عالية بالقدر والمصير المحتوم ، وبشجاعة تنمّ عن ثقته بربه وقضائه وقدره ، وبما يشكله موته من فائدة كبيرة لشعبه الذي يعاني من الاضطهاد والحرمان والظلم .
وفي يوم 30 مارس 1947 اقتيد البطل الى الساحة التي شهدت قيام الجمهورية الكردستانية نفسها ( ساحة القناديل الأربعة ) . وفي فجر ذلك اليوم البائس بعد أن أدى صلاة الفجر تم شنقه ،ليسجل اسمه في سفر الخلودً مع الشهداء الخالدين والمدافعين عن قضايا شعوبهم ،وعن حق الانسان في الحياة الكريمة .
وهكذا بقيت الاشارة المضيئة في التاريخ الانساني تتحدث ملياً عن الرموز التي رحلت تحمل معها ايمانها بعقيدتها ومبادئها ، غير أنها باقية في ضمير الشعوب كرمز من رموز الانحياز ضد قوى الباطل والظلم ، الى جانب الشعوب المستضعفة والمنكوبة ، ويصير الشهيد الخالد القاضي محمد بمواقفه وشجاعته وصبره وأحلامه ، التي حولها الى واقع ،و أبقاها مأثرة حية في ضمير من بعده.
وتتمة للفائدة ننشر فيما يأتي آخر وصية للقاضي محمد ـ قبل اعدامه ، وهي من تعريب الكاتب الكردي محسن جوامير ،وقد نشرتها مواقع كردية عدة .
وصية القاضي محمد رحمه الله تعالى :
يا أبنائي وإخوتي الأعزاء !
يا إخوتي الذين هضمت حقوقهم!
يا شعبي المظلوم !
ها أنا ذا في اللحظات الأخيرة من حياتي، أقدم لكم بعض نصائحي:
ـ تعالوا أناشدكم بالله أن لا يبغي بعضكم على بعض.. توحدوا وتعاضدوا.. اثبتوا أمام عدوكم.. لا تبيعوا أنفسكم لعدوكم بثمن بخس.. وإنَّ تودّدَ عدوكم لكم محدود، وينتهي حين تتحقق أهدافه.. فهو لا يرحمكم أبدا، ومتى وجد الفرصة واستنفدت أغراضه، فانه ينتقم منكم لا محالة ولا يعفو عنكم ولا يرحم.
إن أعداء الكورد كثيرون، هم ظلمة، مستبدون ولا يرحمون.. وعلامة وطريق نصر أي شعب أو امة، يكمن في وحدتهم وإتحادهم، وكذلك في المناصرة، وإلا فهم يرزحون تحت وطأة المتجبرين.
أيها الشعب الكوردي !
لستم بأقل من أي شعب على وجه البسيطة، إنما انتم في الرجولة والشهامة والقوة متقدمون على كثير من الشعوب التي تحررت.. فالشعوب التي تخلصت من قبضة المستبدين، هم أمثالكم، ولكن أولئك كانوا متحدين.. كفتكم العبودية.. وإن تحرركم مرهون فقط بالوحدة ونبذ الحسد ورفض العمالة للأجنبي ضد شعبنا.
إخوتي!
لا يخدعنكم العدو.. فعدو الكورد عدو أيا كان لونه وجماعته وقومه.. لا شفقة له ولا ضمير، ولا يرحمكم، ويوقع بينكم الفتنة والتقاتل، ويثير بينكم الأطماع.. وعن طريق الخدعة والأكاذيب، يُحرضُ بعضَكمْ ضد بعض.
والعجم هم أعدى أعداءكم، فهم أكثر ظلما وألعن وأكثر فسقا وأقل رحمة من الجميع.. لا يتورعون عن إقتراف أي جريمة بحق الشعب الكوردي.. وهكذا كانوا دائما، فالبغض والكراهية متأصلان فيهم طوال التأريخ ولحد اللحظة.
أنظروا كيف تعاملوا مع زعماء شعبكم، بدءاً ب " إسماعيل آغاي شكاك " وإنتهاء بأخيه جوهر آغا وحمزة المنكوري وآخرين كثر.. لقد خدعوهم جميعا، حيث تعاملوا معهم بالمرونة واللين في البداية، ومن ثم فرقوا جمعهم وشملهم، وأخيرا قاموا بكل خسة ودناءة بتصفيتهم.. لقد خدعوهم بأن أقسموا لهم بالقرآن، وأوحوا إليهم بأن نية العجم تجاههم صافية وإنهم يحسنون صنعا معهم.
ولكن وا أسفاه على سرعة تصديق الكورد الذين انخدعوا بيمين وعهود العجم التي قطعوها لزعماء الكورد، وكل ما قطعوه لم يتجاوز حدود الكذب والخداع.
لذا، أناشدكم وكأخ صغير لكم بالله، وأقول : إتحدوا ولا تتفرقوا.. وتيقنوا بأن العجم لو منحوكم العسل، فإنهم يدسون السم فيه.
لا يخدعنكم قسم وعهود العجم.. فإنهم لو حلفوا يمينا وبالقرآن ألف مرة ووضعوا أيديهم عليه ووعدوكم، حينئذ تأكدوا بأنهم يريدون خيانتكم ومخادعتكم.
ها أنا ذا في اللحظات الأخيرة من حياتي، أنصحكم لله.. أقول لكم بأن ما كنت قادرا على فعله قد فعلته، والله أعلم.. لم أقصر في تقديم النصائح وتبيان الطريق الصحيح.. والآن وفي هذا الوقت والحال، أعيده عليكم وأطالبكم بألا تنخدعوا أكثر بالعجم ولا تصدقوا حلفهم بالقرآن ولا بعهودهم وعقودهم، لأنهم لا يعرفون الله ولا يؤمنون به ولا برسوله ولا بيوم القيامة ولا بالحساب والكتاب.. وما دمتم كوردا، فإنكم في نظرهم مجرمون ومحكومون، حتى لو كنتم مسلمين.. من اجل ذلك، فإن رؤوسكم وأموالكم وأرواحكم مباح وحلال بنظرهم، ويعتبرون كل ما يقومون به ضدكم هو غزوة.
ما كنت أتمنى أن أغادر الحياة وأترككم وأنتم تعانون من ظلم هؤلاء الأعداء الحاقدين.. لقد فكرت كثيرا في ماضينا ورؤساءنا الذين خدعهم العجم باليمين والكذب والحيل ومن ثم ألقوا القبض عليهم وبالتالي قتلوهم.. وقد حدث هذا بعد أن عجزوا عن هزيمتهم والإنتصار عليهم في معارك البطولة ولم يصمدوا أمامهم، فأقدموا وعن طريق الكذب والاحتيال والدجل على خداعهم وبالتالي قتلهم.
أنا أتذكر كل ما حصل لأولئك الزعماء، ولم أثق في يوم ما بالعجم.. وقبل أن يعودوا إلى هنا، وعن طريق الرسائل والتوصيات وإرسال شخصيات كوردية وفارسية، وعدوا وعاهدوا كثيرا ومن دون أي وفاء بهما بأن دولة العجم وعلى رأسها الشاه تريد لهم الخير وليس في نيتها أن تسقط قطرة دم واحدة في كوردستان.. وها أنتم الآن ترون بأم أعينكم نتائج الوعود التي قطعوها.. ولو أن رؤساء القبائل والعشائر لم يخونوا ولم يبيعوا أنفسهم للعجم، لما حصل لنا ولكم ولجمهوريتنا ما حصل.
نصيحتي ووصيتي لكم هي:
أن تحثوا أبناءكم على طلب العلم، فإننا لسنا بأقل من الشعوب الأخرى ولا ينقصنا شيء غير العلم.. تعلموا، حتى لا تتأخروا عن ركب الشعوب.. فالعلم لدى عدوكم هو سلاحه القاتل في وجهكم.
تأكدوا لو أنكم اتفقتم واتحدتم وأوليتم العلم اهتمامكم، فإنكم سوف تنتصرون على أعداءكم نصرا عزيزا.
لا ينبغي أن يُحبطكم ويقضي على عزيمتكم مقتلي ومقتل أخي وأبناء أعمامي، لأنه ومن أجل أن تصلوا إلى آمالكم وأهدافكم، يجب أن يقدِّم الكثير من أمثالنا التضحيات من أجلها.. وأنا على يقين بأن هناك الكثير من الآخرين الذين سوف يُقضى عليهم بالحيل والنفاق.
أنا على قناعة بأن هنالك الكثير من الذين هم اعلم وأقدر منا، سوف يقعون في شرك وخداع ومؤامرات الأعاجم.. لكنني آمل أن يكون مقتلنا درسا وعبرة للمخلصين من أبناء الشعب الكوردي.
لدى نصيحة أخرى وهي :
إن ترجو من الله سبحانه وتعالى أن يكون نصيركم ومعينكم في نضالكم من أجل هذا الشعب.. حينئذ أكون على ثقة بأنه سوف يمدكم من عونه.
قد تسألونني لماذا لم أنتصر وأفز ؟! وعند الجواب أقول لكم: والله لقد انتصرت وفزت.. أي نعمة وأي نصر وفوز اكبر من أن أفدي برأسي ومالي وروحي في سبيل شعبي ؟!
تأكدوا بأن مطلبي في الحياة كان أن أموت موتة تجعلني وأنا أواجه الله والرسول وشعبي وقومي، مرفوع الرأس.. إن هذه الموتة هي نصر لي.
أحبائي !
كوردستان هي بيت الجميع.. كما أن كل فرد في البيت يقوم بعمل محدد فيه ولا يحتاج الأمر أن يتدخل الآخر في شأنه، وكذلك الأمر مع كوردستان، فإن مثلها كمثل البيت.. عندما تعرفون بأن عضوا في هذا البيت بإمكانه القيام بعمل ما، دعوه ليعمل، وليس هناك داع ومسوغ لوضع العوائق أمامه أو تكتئبوا وتأخذكم الغيرة لكون أحدكم تحَمَّل المسؤولية الكبرى.. لأنه حينما يتحمل شخص ما عملا عظيما ويديره، يعني هذا أنه عالم به ويحمل على عاتقه مسؤولية عظمى أمام هذا الواجب.
تأكد بأن الكوردي أفضل لك.. والعدو يحمل البغض والكراهية في قلبه.. ولو لم أكن أتحمل مسؤولية كبيرة على عاتقي، لما كنت الآن واقفا تحت حبل المشنقة.. لذا يجب أن لا يستبد بكم الطمع تجاه بعضكم.
الذين لم ينفذوا أوامرنا، لم يقتصروا فقط على عدم التنفيذ والطاعة فحسب، إنما عادونا أيضا.. وبما أننا اعتبرنا أنفسنا خداما لشعبنا، فهم الآن في بيوتهم وبين أولادهم، ينامون وهم مرتاحوا البال.. لكننا بسبب كوننا خداما لشعبنا، ها نحن الآن واقفون تحت حبل المشنقة، وأنا بصدد إنهاء آخر لحظات حياتي بهذه الوصية.. ولو لم أكن أتحمل المسؤولية الكبرى، كنت أغط الآن في نوم عميق.
وهذه النصيحة التي أقدمها لكم، هي أيضا من إحدى المهام التي على عاتقي.. وأنا على يقين بأنه لو كان هناك شخص آخر تحَمّل مسؤولياتي، لأصبح هو الآن في مكاني تحت حبل المشنقة.
وأنا الآن ومن أجل أن أرضي الله وطبقا للمسؤولية التي على عاتقي، وككوردي خادم للشعب ومن اجل العمل الطيب ( الأمر بالمعروف ) قدمت لكم بعض النصائح.. أرجو أن تأخذوا منها لاحقا العبر وان تنصتوا إليها تماما، على أمل أن ينصركم الله تعالى على أعداءكم:
1ـ أن تعتقدوا بالله و ( بما جاء من عند الله ) وتعبدوه، وتؤمنوا برسوله ( صلى الله عليه وسلم ) ويكون أداؤكم للفرائض الدينية قويا ومتينا.
2ـ أحفظوا وحدتكم واتفاقكم في صفوفكم.. لا تقترفوا الأعمال المشينة تجاه بعضكم، ولا تكونوا طماعين ولاسيما عند تسلم المسؤولية.
3ـ اجتهدوا في رفع مستوى الدراسة والعلم ودرجة تحصيلكم، حتى لا تنخدعوا بالعدو كثيرا.
4ـ لا تثقوا بالأعداء، لاسيما العجم، لأنهم يعادونكم بأشكال مختلفة، فهم أعداء شعبكم ووطنكم ودينكم. والتأريخ أثبت بأنهم يبحثون عن كل ذريعة للإيقاع بكم، ويقتلوكم لأدنى سبب ولا يتورعون عن القضاء على الكورد بتاتا.
5ـ لا تبيعوا أنفسكم للعدو طمعا في بقاء زائل في هذه الدنيا الدنية، لان العدو هو نفس العدو ولا يمكن الاعتماد عليه.
6ـ لا يخن بعضكم بعضا، لا في السياسة ولا في الأرواح ولا في الأموال ولا في الأعراض.. لأن الخائن ذليل ومجرم عند الله والناس، والمكر السيئ يحيق بصاحبه في الأخير.
7ـ لو أن أحدا منكم تمكن من أداء أعمالكم، فتعاونوا معه، ولا يجعلنكم الاستئثار والطمع أن تقفوا ضده أو لاسامح الله أن تتجسسوا عليه لصالح العدو.
8ـ المذكور في وصيتي هذه، هو من أجل صرفه على المساجد والمستشفيات والمدارس.. عليكم أن تطالبوه جميعا وتستفيدوا منه.
9ـ لا تتوقفوا عن النضال والدأب والجهاد، حتى تتحرروا كباقي الشعوب من نير الأعداء.. لا قيمة لمال الدنيا.. لو أصبح لكم وطن وامتلكتم الحرية وأصبحت أموالكم وأرضكم ووطنكم لكم، عند ذاك يمكن أن يقال بأنكم حقا أصحاب أموال وثروة، وكذلك أصحاب دولة وعزة.
10 ـ ما أظن أن لأحد علي حق، سوى حق الله.. ولكن لو أن أحدا يعتقد أن له عليّ حق، فإنني تركت ثروة كبيرة، فليذهب إلى الورثة ويأخذه منهم.
ما دمتم غير متوحدين، فإنكم لن تنتصروا.. لا يظلم بعضكم بعضا، لأن الله يقضي على الظالم بأسرع وقت ويخزيه.. وهذا وعد الله من دون زيادة أو نقصان.. الظالم سوف يسقط ويخزى، والله ينتقم من ظلمه.
آمل أن تأخذوا بنصيحتي، وأن ينصركم الله على الأعداء، وأقول كما قال الشيخ سعدي:
مراد ما نصيحت بود و كوفتيم
حوالت با خدا كرديم و رفتيم
يعني:
كان قصدنا مجرد نصيحة وقلنا
وسلّمنا الأمر لله وذهبنـــا
خادم الشعب والوطن
منقول