الكرد والإسلام
كان الكرد يعيشون كمجموعات قبلية ضمن الإمبراطورية الفارسية الساسانية في غياب أي كيان سياسي خاص بهم في هذه الفترة، وبالتالي كانوا جزءاً لا يتجزأ من الإمبراطورية الفارسية. في هذا الوقت توالت الانتصارات الإسلامية على القوات الفارسية في معارك القادسية وجلولاء ونهاوند (فتح الفتوح). وكان من نتائجها أن حدث احتكاك بين العرب المسلمين الفاتحين وبين الكرد.
"
دخل غالبية الكرد في الإسلام طوعا وكان لهم إسهام بارز في الفتوحات التالية ولم تقم الإمارات الكردية بالتآمر على الدولة الإسلامية في أوقات ضعفها مثلما فعل الفرس أو البويهيون
"
ومهما يكن من أمر فإن غالبية المناطق الكردية من مدن وقرى وقلاع وزموم في أقاليم الجبال الغربية ومناطق الجزيرة الفراتية وأرمينيا
وأذربيجان قد فتحت صلحاً، ماعدا مناطق قليلة فتحت عنوة كشهرزور (محافظة السليمانية) فقد لاقى المسلمون مقاومة شديدة من سكانها، فضلاً عن مناطق ماسبذان والصيمرة الواقعة في جنوب إقليم الجبال الغربي (لورستان) حيث جرت بين المسلمين والفرس المدعومين من قبل الكرد معارك طاحنة كانت نتيجتها انتصار المسلمين.
وبحلول عام 21هـ دخلت غالبية المناطق الكردية في الإسلام، وبدأت عملية أسلمة المجتمع الكردي تمشي على قدم وساق.
إن دخول الكرد في الإسلام ربما أشعرهم بكينونتهم كجماعة متميزة بلغتها وتراثها ضمن الجماعة الإسلامية. ومن جانب آخر فإن فقدان الكرد لدولتهم الميدية وتقلص دورهم الحضاري في ظل الدول الأجنبية التي توالى حكمها على كردستان مثل الإخمينيين واليونانيين والبرثيين (ملوك الطوائف) والساسانيين، جعل من الطبيعي أن يرحبوا بالإسلام باعتبار ذلك وسيلة انتقال إلى وضع أفضل مما كانوا فيه، فضلا أنهم تخلصوا من ظلم الدهاقنة الفرس وتعقيدات رجال الدين الزرادشت (المجوس) التي كانت تلقي عليهم تقاليد وطقوسا لا قبل لهم بها.
وفي حقيقة الأمر لم يمس الإسلام الكيان القومي للكرد داخل وطنهم، بل إنه ساعد على تعزيز ذلك الكيان في وجه الشعوب والأنظمة غير الإسلامية المتاخمة لكردستان، ولا سيما في طرفها الشمالي. يقول باحث محايد إن الخلفاء المسلمين لم يحاولوا التدخل في الكيان المستقل لزعماء الكرد. وذلك يدخل دون شك في الأسباب الأساسية التي دفعت الكرد إلى الترحيب بالدين الجديد والإخلاص له والتفاني من أجله. إن احتفاظ الكرد بخصائصهم القومية وبلغتهم في ظل الإسلام وحضارته لهو درس بليغ من التاريخ كان يجب أن يؤخذ في الاعتبار.
ومما يضفي أهمية خاصة على هذا الأمر أن أبناء الكرد رحبوا بالعربية بوصفها لغة القرآن وأداة الروح والتقرب من الله سبحانه وتعالى. ومع ذلك فإن الكرد وعلماءهم لم يروا أي تعارض بين إيمانهم بالإسلام وإخلاصهم للغة قومهم. كما كان لعلماء الكرد دور متميز في الحضارة الإسلامية بوجود العديد من اللغويين والنحاة والمؤرخين والمفسرين والمحدثين. وهكذا فقد كان اعتزازهم بالعربية وبالإسلام كبيرا بوصفها لغة القرآن الكريم ولم تدر في خلدهم الكتابة بغيرها حتى وإن كان لغتهم، وهذا ما جعل التراث الكردي جزءا من التراث الإسلامي وليس منفصلا عنه.
وهكذا ظل الكرد يؤلفون باستمرار روح الإسلام، كما أنهم أصبحوا جنودا للخلافة الإسلامية في شتى عصورها ولم تؤثر فيهم الاحتكاكات العقائدية والحزبية والمذهبية التي طغت على العديد من القوميات التي تؤلف المجتمع الإسلامي آنذاك، بل أصبحوا سندا ومدافعا أمينا عن الثغور الإسلامية في وجه الروس والبيزنطينيين وحلفائهم من الإرمن والكرج (الجورجيين)، أما دورهم في مقاومة الصليبيين والباطنيين بقيادة الناصر صلاح الدين الأيوبي فأشهر من أن يعرف.
وفي العصور العباسية كان لهم دور مشهود في الدفاع عن حياض الخلافة، وحتى عندما شكلوا إمارات خاصة بهم كغيرهم من الأمم أيام تدهور الخلافة العباسية في العصر البويهي 334-447 هـ فإنهم بقوا على إخلاصهم لرمز الإسلام آنذاك (الخلافة العباسية)، ولم يحاولوا القيام بحركات التمرد والانفصال أو احتلال بغداد مثل أمم أخرى كالفرس والبويهيين، وكان في استطاعتهم فعل ذلك لو أرادوا، ولكنه في اعتقادي الإخلاص للإسلام وللخلافة العباسية لا غير.
_______________
رئيس مركز الدراسات الكردية/دهوك
مظاهر المجتمع الكردي
يقطن الكرد في الشرق الأوسط من آسيا الغربية، وهذه البقعة التي يطلق عليها كردستان منذ القرن الثاني عشر تعد موطنهم التاريخي وإن لم يجر الاعتراف بها كدولة، ويمثل هذا الوطن عنصرا أساسيا لوجود المجتمع الكردي كسائر المجتمعات الأخرى.
ومنطقة كردستان هي عموما جبلية وعرة وقاسية وقد أثرت العوامل الطبيعية على تطور ورقي كردستان، وكان لها أثران: فمن ناحية ساعدت الشعب الكردي على الاحتفاظ بهويته، ولغته وتقاليده وثقافته على مر القرون، رغم كل الغزوات العربية والتركية والفارسية لأراضيه واحتلالها، ومن ناحية أخرى عزلته إلى حد كبير عن المدنية. رغم أنها -أي المدنية- بدأت في كردستان كما يذهب إلى ذلك بعض المؤرخين.
"
تطور الكرد بالتفاعل مع طبيعتهم الجبلية الصعبة التي فرضت أنماطا قبلية وساعدتهم على الاحتفاظ بهويتهم لكنها عزلتهم إلى حد كبير عن المدنية
"
ومن الصعب تقدير العدد الدقيق لسكان كردستان إلا أن بعض الدراسات تقدرهم بنحو 40 مليونا، وهؤلاء السكان الموزعون بين أربع دول بصفة أساسية، تطوروا اجتماعيا بفعل عوامل عديدة منها التفاعل مع الطبيعة التي ميزت موطنهم وهي تتوزع على مناطق جبلية، وسهول، وأودية، وهو التنوع الذي أوجد سمات أيكولوجية خاصة في كردستان يمكن إجمالها فيما يأتي:
1. قيام حياة رعوية ارتبطت بشكلٍ مباشرٍ بتأثير الطبيعة وما يرافقها من طغيان الأنماط القبلية والتنقل والغزو والفروسية، وكذلك الكرم والشجاعة وغيرها من الصفات أو السمات الشخصية فضلا عن الحياة الزراعية الريفية، وحياة حضرية تجارية إدارية في المدن.
2. تنوع الشعوب والثقافات التي قطنت هذه المنطقة إلى جانب الكرد والتي تمازجت عبر التاريخ من آرية وسامية، وعربية وأرمنية وتركمانية وآشورية وكلدانية، مما أدى إلى تكوين مجتمع تنوعي، وهذا التنوع في حد ذاته قد يكون مصدر ثراء ثقافي للمجتمع، ولكنه قد يكون أيضا مصدر توتر كامن أو ظاهر.
3. نشوء أقاليم لها مزاياها الخاصة بعد تقسيم كردستان بين العراق وإيران وتركيا وسوريا وأرمينيا، من حيث العادات والتقاليد والأعراف، وتأثرهم بثقافة بلدهم المحتل، ورغم وجود أقاليم عديدة للمجتمع الكردي فإنها امتداد واحد من الناحية الجغرافية.
4. ظهور ديانات ومذاهب عديدة، منها الديانات التوحيدية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلامية) وظهور مذاهب أخرى غير إسلامية كاليزدية والكاكائية والعلية وغيرها، مما شكل متحفاَ اثنوغرافياَ.
5. تزايد أهمية كردستان اقتصادياً وحضارياً وسياسياً خاصة بعد الانتفاضة الربيعية والهجرة المليونية عام 1991 إلى تركيا وإيران وسوريا إلى حد ما من ناحية، ومن ناحية أخرى بسبب موارده المعدنية كالنفط وغيرها