التاريخ والجغرافيا ظلما الشعب الكردي
يتعامل الدكتور كمال مظهر أحمد أستاذ التاريخ في جامعة بغداد مع الأحداث والوقائع برؤية تحاول التجرد من ضيق العرق والهوية إلى رحاب العالم الموضوعي.
وعلى الرغم من أنه كردي وله ماض يعتز به في الدفاع عما يعتبره حقوق شعبه، إلا أن الرجل يرفض الانجرار إلى حمى التعصب وردود الفعل التي تلبست البعض من القوميين الكرد منذ سنوات ولاسيما بعد الاحتلال، وهو مازال يعول على المنطق والحوار مع بقية العراقيين لتأمين حقوق الجميع مستندا إلى مصداقية خاصة له بين العرب والكرد على حد سواء، وإلى هيبة علمية وأكاديمية بعد أن بات واحدا من أهم المؤرخين وأساتذة التاريخ في العراق والمنطقة.
الجزيرة نت حاورت الدكتور كمال حول القضية الكردية، وسألته أولا عن جذور إحساس الكرد بالغبن والظلم التاريخي، هذا الإحساس الذي جعلهم يخوضون مواجهات طويلة ومكلفة مع حكومات الدول التي يتوزعون عليها..
"
الكرد لم يتنبهوا للتحولات التاريخية في القرن التاسع عشر وإلى الواقع الإقليمي الجغرافي الجديد آنذاك
"
يجيب الدكتور كمال: الجغرافية ظلمت الكرد، ففي زمن ما وعندما كانت العلاقات الإقطاعية وشبه الإقطاعية مسيطرة عليهم كانوا محصنين في جبالهم، لديهم كل ما يحتاجون إليه ولذلك لم تنشأ لديهم رغبة التوسع إلى مناطق جديدة على عكس أقوام أخرى مثل العرب، لكن المشكلة إن الكرد لم يفطنوا إلى التحولات التاريخية في القرن التاسع عشر، لم يتنبهوا إلى انهيار الإقطاعية وانتشار الرأسمالية وما استتبعها من هيمنة إمبريالية، وهم أيضا لم يتنبهوا للتحولات الدولية والإقليمية وتأسيس واقع جغرافي جديد فبقوا معزولين عن منفذ إلى البحر لذلك ترى القوميين الكرد يعوضون عن ذلك بالخيال حينما يقومون بتوسيع حدود كردستان إلى الخليج أو إلى الإسكندرونة على البحر المتوسط.
هذه نتائج للجغرافية ولقصور لدى الكرد أنفسهم، ولكن ماذا عن التاريخ؟
تداخلت الجغرافية مع التاريخ لتجعل من الكرد ضحايا للصراع ألصفوي العثماني، وأول انعكاسات هذا الصراع على الكرد حصل في معركة جالديران الأولى عام 1514م التي جرت في قلب كردستان والتي أسفرت عن تقسيم كردستان بين الدولتين.. في السابق قبل سقوط الدولة العربية الإسلامية لم تكن هناك مشكلة للكرد فهذه الدولة لم تتدخل في شؤونهم وكان لديهم استقلالية كاملة تقريبا باستثناء ما يقدمونه من ضرائب ومجندين، لكن الكرد كانوا يمارسون كامل حقوقهم القومية في اللغة والثقافة، لذلك ترى أن كبار شعراء الكرد آنذاك كانوا هم كبار رجال الدين.
لكن بعض القوميين الكرد يعتبرون الفتح العربي الإسلامي غزوا افتتح عهد تقسيم الأمة الكردية؟
بموضوعية كاملة وبدون الارتكان للعواطف وباحترام كامل لشعبي الكردي أقول إن الكرد دخلوا الإسلام بقناعة مطلقة، الكرد كانوا مثل العرب يتألفون من مجموعة شعوب، وأصولهم تعود إلى الغوتيين الذين كانوا أحد فروع شعوب زاكروس، وقد حكموا بابل قرنا كاملا وكانت لهم دولة قوية، لكن دولتهم دالت بعد أن جاء الفرس للمنطقة بعد الكرد بثلاثة قرون.
وهكذا تحول الكرد من حكام إلى محكومين ومن ظالمين إلى مظلومين، وظلوا على حالهم هذا حتى الفتح الإسلامي، وكان من الطبيعي ان يتم الترحيب بالدين الجديد الذي فيه إنقاذ للكرد من ظلم امتد لقرون طويلة، لذلك لم تكن هناك مقاومة للفتح الإسلامي إلا في حدود ضيقة، وقد أخلص الكرد للإسلام بدون حدود، وصلاح الدين ليس النموذج الوحيد لعلاقة الكرد بالتاريخ الإسلامي فهناك الصحابي جابان الكردي ومشطوب الهيكاري الذي جاء من منطقة نائية في كردستان تركيا ليحارب الصليبيين حتى استشهد وقد تميز ذكره في التاريخ لبطولاته.
وأقول مع مزيد الأسف إن بعض الأطراف القومية العربية قد أضرت العرب أكثر من الكرد حينما لم تقدر الصديق الكردي المخلص تاريخيا، وحسب الوثائق التاريخية فإنه لولا موقف الكرد لذهبت ولاية الموصل إلى تركيا الكمالية حيث صوتوا في الاستفتاء لضمها إلى العراق في حين أن بعض أشراف العرب هناك صوتوا على العكس من ذلك... كما كان للكرد دور مشهود في الصراع العربي الإسرائيلي وقد قدموا أكبر عدد من الشهداء في حرب فلسطين عام 1948 بين سائر العراقيين ومعظم الشهداء من مدينة حلبجة، ومقابل ذلك يواجه الكرد حملة بمستوى الأنفال، فماذا تتوقع.
لكن ماذا عن موقف الكرد قبل الأنفال أو سواها، ألا ترى أنهم كانوا طوال الوقت تقريبا في حالة صراع مسلح مع السلطات في دولهم ولم يوفروا الوقت الكافي لإيجاد حلول سلمية ربما كانت ستخدم الكرد والشعوب الأخرى في المنطقة ولاسيما في العراق؟
"
الكرد مجموعة غير قابلة للتهميش ولم تكن هناك توجهات حقيقية لحل القضية الكردية
"
هذا إذا كانت هناك توجهات حقيقية لحل القضية الكردية، الكرد ليسوا أقل من 17-20% من السكان، ولذلك فهم ليسوا مجموعة قابلة للتهميش، ولو عدنا للتاريخ المعاصر فإن تركيا شهدت الحركات الكردية الأقوى وأكثر بكثير من العراق، وهذه الحركات تبدأ بانتفاضة الشيخ سعيد بيران في عام 1925، والتي تعززت إثر تراجع أتاتورك عن وعوده بحكم ذاتي للكرد في تركيا وتزايد حقده عليهم بسبب ما قال في مذكراته بأنه دور كرد تركيا في فصل ولاية الموصل عن تركيا ودمجها بالعراق.
المشكلة في كثير من إخواننا العرب أنهم ربما يعرفون تاريخ كل العالم لكنهم لا يعرفون تاريخ الكرد، لذلك فإنهم مازالوا يحملون الكثير من التصورات الخاطئة، فنقرا لبعض المؤرخين العراقيين مثلا أن الشيخ محمود الحفيد هو عميل بريطاني، في حين أن الحقيقة هي أن الشيخ الحفيد قاتل البريطانيين منذ أول دخولهم العراق بعد أن توجه على رأس أكثر من ألف فارس إلى البصرة لهذا الغرض في عام 1914 وظل يقاتلهم على فترات متقطعة حتى العام 1941 وتعرض للنفي على أيديهم أكثر من مرة إلى خارج العراق وكذلك إلى مدن عراقية خارج كردستان.
ولكن ألم تكن هناك فرص للسلام لم تستثمر؟
لا أنفي أن بعض الكرد يتحملون بعض المسؤولية والوزر، وربما يعود الأمر إلى جرح في أعماقهم.
"
حق تقرير المصير لايعني الانفصال وإنشاء دولة كردية سيكون مخافا لمنطق العصر الراهن الذي يتجه نحو إلغاء الحدود القائمة
"
وماذا عن الدولة الكردية.. هل ترى أنها مطلب واقعي؟
أظن أن الخلل يكمن في الاعتراف بحق تقرير المصير، المهم أن تعترف لي بالحق، وهو أمر لا يعني الانفصال -بالعكس- فأنت عندما تحترمني فإنك بذلك تدفع بالتوجهات الانفصالية جانبا، ولعلي أذكر هنا بملاحظة الأستاذ مسعود بارزاني حول الظرف العالمي الراهن الذي يتجه نحو إلغاء الحدود القائمة وربط الدول مع بعضها من خلال العولمة الأمر الذي يعني إن إنشاء دولة كردية سيكون مخالفا لمنطق المجتمع المعاصر، ناهيك طبعا عن العوائق السياسية الأخرى التي تمنع ذلك في الوقت الحاضر على الأقل، ولكن ينبغي التذكير هنا أن الكرد رفعوا شعار الاستقلال في التاريخ الحديث قبل كثير من شعوب المنطقة بما في ذلك العرب، فهم طالبوا بالاستقلال في عام 1880 في حين بدأت المطالبة العربية بالاستقلال في عام 1916.
_______________
قسم البحوث والدراسات-الجزيرة نت
شوكت كوجر
2009